إذا كانت الكتابة
صعبة فالخطابة أصعب وأصعب ، وفي الأمثال : " إيّاك والخُطب فإنها مِشوار
كثير العثار " وقد ضاق بها العرب ذرعاً وهم أرباب الفصاحة والبلاغة ، فإن
الذين أُرتج عليهم من خطبائهم كثيرون :
منهم أبو العنبس أبو العنبس ! إحفظوا اسم هذا الخطيب اللَبِق الظريف .
يقال
أنه صعد منبراً من منابر الطائف فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد ،
فأرتج عليه ، فقال : أتدرون ما أًُريد أن أقول لكم ؟ قالوا : لا قال : فما
ينفعني ما أريد أن أقول لكم إذا كنتم لا تدرون ؟ ثم نزل .
فلمّا
كان في الجمعة الثانية ، وصعد المنبر ، وقال : أمّا بعد ، أُرتج عليه ،
فقال : أتدرون ما أُريد أن أقول لكم ؟ قالوا : نعم ، قال فما حاجتكم إلى أن
أقول لكم ما علمتم ؟ ثم نزل .
فلمّا كانت الجمعة الثالثة قال :
أمّا بعد ، فأرتج عليه ؛ قال : أتدرون ما أريد أن أقول لكم قالوا : بعضنا
يدري ، وبعضنا لا يدري . قال : فليُخبر الذي يدري منكم الذي لا يدري ، ثم
نزل .
وقد فعل مثل ذلك مولانا جحا على ما يرويه الرواة الثقات !
ومنهم رجل من بني هاشم أتى اليمامة ، فلما صعد المنبر أُرتج عليه ، فقال :
حيّا الله هذه الوجوه ، وجعلني فداءها قد أمرتُ طائفي بالليل أن لا يرى أحداً إلا أتاني به وإن كنت أنا هو . ثم نزل .
ومنهم عبد الله بن عامر ، يقال أنه خطب بالبصرة في يوم أضحى ، فأرتج عليه ، فمكث ساعة ، ثم قال :
والله لا أجمع عليكم عِيّا ولؤماً ، من أخذ شاةً من السوق فهي له ، وثمنها علي .
يعجبني عبد الله بن عامر ، هذا ، أنه لأهون عليّ أن أدفع ثمن شاتين بل ثلاث وأخلص من الخطابة لا عليّ ولا لي ، والعوض على الله .